تكتب الأكاديمية والناقدة والروائية السورية أسماء معيكل عن ماضٍ يعني بنات جنسها، وما يضيء العالَم الذي يعشن فيه كما يفكرن، كما يحلمن، وكما يتألمن، وحتى يمتن فيه روحاً وجسداً، إن جاز التعبير، في رواية مرفوعة بعنوان معتبر في شخصية نسائية تعنيهن إجمالاً (ليالي الخذلان)، منشورات رامينا، لندن، 2024، وفي "300 ص"، لكنه الماضي الذي يمتد إلى الحاضر ويتجاوزه، وكأنه يرفض تسميته بالماضي، كونه يظهر في حاضره كبُعد زمني ما يغيّر في تسميته بنيوياً جهة المحتوى، ويبث قلقاً، وحيرة وارتباكاً في نفس قارئها "الرواية"، في المسافة الفاصلة والساخنة بين الصوت السارد، وهو صوت نسائي بضمير المتكلم من بداية الرواية حتى نهايتها، دون تحديد الاسم (سوف يتحدد اسمها باعتبارها دكتورة "حواء. ص 27") وما عدا ذلك يكون السرد ممثَّلاً فيها، والصوت الآخر الذي يتداخل مع ذلك الصوت، صوت رجالي لا يخفي هيمنته، أو اعتباره متغطرساً، لعوباً، زير نساء، ولا اسم له، إنما ما يشدد على خاصية تسمية قيمية ساخرة "المحبوب"، وما يزيد في هذه السخرية من خواء المسمى فيه بصفته النقيض: اللامحبوب!

تحاول معيكل التحرك في اتجاهات متعددة بين حدّي المسافة، وتغوص في الروابط الظاهرة والخفية بينهما، بين الساردة التي يتلون خطاب نصها الروائي باسمها، أو سارد النص الذي مارس في تكوينه متخيل الروائية وفق تصوراتها ووعيها للفكرة المطروحة في نسيج النص، وما يكون المقابل وهو ليس المقابل لها، حيث يكون باسم الغياب، يُنظر في أمره، ويكون سرد الساردة بالذات، وجملة المفارقات التي يفجرها هذا العمل المركب، وسياسة الكتابة لدى الروائية الناقدة أو بالعكس، وفي الصميم، لتكون الجنسانية، وتلك الدلالة الفكرية المميّزة لها، في خانة المساءلة، آثمة تحديداً، طالما أن مسار الرواية من الاستهلال إلى الكلمة الأخيرة يمثل مخاتلة الذكورة كعلامة فارقة للذكر فيها.

محاولتي هنا هي قراءة رواية "ليالي الخذلان" من المثار عنواناً، وكيف تصعد الرواية بلغتها المفصحة عن خلل جسدي، خلل مزمن، كما يظهر، وخلل مستفحل، كما هو مقدر، وخلل لا يظهر أنه موعود بالتوقف أو الانحسار، وما في ذلك من تفعيل الأثر المنجرح لخطاب الروائية هنا. بصيغة أخرى، إلى أي درجة كان الصوت معبراً عن متكلمه، وهل أمكنه جرحه، كون الرواية تمثل دعوى وجودية، ولها كينونتها للمرأة، وليس لأي امرأة، في أن يخرج الصمت المقهور من أسره جرّاء هيمنة الذكر برأسماله الرمزي النافذ على أصعدة مختلفة؟

من يظلل ومن يضلل

العنوان لا يتستر على جرحه الداخلي، ولا بد أنه ساخن وربما يشهد على تقيح جرّاء معاناة تاريخية مستدامة. بدءاً من كلمة "ليالي"، أي جانب التتالي الليلي، وما تعبّر عنه الليالي في استمراريتها شاهدة على مصاب الجسد الأنثوي الجلل، أو المرأة عموماً، ما يُرى وما يُتكتم عليه، حيث المحال أنثوي جهة الليل، تعزيزاً للصورة السلبية المقررة عن المرأة غرائزياً أو غموضاً أو عدم استقرار، خلاف المحال على الرجل كما هو المتداول والمأثور تاريخياً، وباسم الرجل نهارياً ورمزيته.

تضاف كلمة "الخذلان" إلى الليالي، رغم أن الليالي تعج بالمعاني الحافة والمتضمنة لكل ما يبقي المرأة سلبية بمفهوم الذكورة التاريخي، وتعطيل مفهوم الجنس المركب، ليجري تحويره جنسانياً كما هو متطلَّب سلطة الذكورة المترامية الأطراف والمحكمة بأكثر من معنى، كما لو أن "الخذلان" قد جرى احتواؤه وفي هذا التوقيت "الليلي" تعميقاً لوطأة الوجع الخارجي، وصدمة المهيمِن.

ربما في أصل "الخذلان" سميتْ فرصة، محك اختبار للآخر: الرجل منمذجاً، وجرّاء المنطوق باسمه على أنه نظير المأمول الآتي، وليس خلفاً شهريارياً لسلف شهرياري، وما في ذلك من تمنٍّ أو استعداد لمعايشة انعطافة زمن محمّل بجسد آخر، وذهنية أخرى، ومتعة اثنينية مغايرة، أي ما يستوقف الحكم الليلي بوصفه نظير المرأة جسداً في كليته، أو معرّفاً به برطوبته، ويصل ودياً ما بين الليل والنهار، ويسود الصفاء والألفة العلاقة هذه، وهو ما لم يحصل في السياق.

الصوت المفصح عن مأساة قائمة، عن جسد يزعم أنه سوي، وهو ادعاء حيث يتلبس الملقب به، ويدفع بالذكوري القيمومي إلى خانة المساءلة الوجودية، صوت لا يخفي غموضاً، إنما هو إشهار بجرح تليد، وتشهير بفاعل الجرح ومجدد ألمه هنا وهناك.

نقرأ التالي، هذين الاستهلالين بداية:
يقولون: "وراء كل رجل عظيم امرأة"!
وتقول حواء: "وراء كل امرأة مخذولة رجل"!

المساحة الدلالية التي يستغرقها كل استهلال جهة الصوت وحمولته الرمزية مختلفة. في الأول، هناك إحالة على مجهول جمعي، حيث فعل "يقولون" عصي على الإمساك بحقيقة متضمنه زماناً ومكاناً، لكنه الدال على الذكور، وما في ذلك من تعميم.. وما في "يقولون" من إمكانية تقصّي حقيقة من هم هؤلاء في اللامحدد فيه، بينما في الثاني، فثمة حواء، وهذه ليست مجرد اسم لامرأة، إنما ممثلة المرأة الأولى كونياً في السياق الديني والتاريخي معاً، ووطأة الجاري ضمناً.

لكن الأول يعرّي واقعة، بدورها تستنطق المعنيين بهذا الفعل مذ كانوا إلى اليوم كذكور يراوغون، بينما باسم حواء، كما هو الصوت الذي أوهبته الروائية، أو ساردها الروائي الأنثوي ضمناً، دون تنحية صوت الروائية الناقدة ضمناً، إياها، وما في ذلك من تصريح صادم على وقع مأساة تسمّي "أولئك".

عظمة الرجل منصة قيامته، حيث تتوارى خلفها امرأة. خذلان المرأة تداعٍ، نكوص اضطراري قهري، واختزال الجسد الفعلي ليُصار به إلى ما يشبه الظاهرة "الفينومين" علامة فارقة للذي حفّر في جسدها هذا القهر وأمضى عليه باسمه واقعاً.

في هذين الاستهلالين، عبرهما تقدم الرواية نفسها، أو تعلم القارئ بفكرتها، وعلى أساسهما تنطلق به من البداية إلى النهاية. وكتابة الرواية هي تسمية قارئها المتوخى، في وضع كهذا ليكون معنياً بالمحتوى، ليكون هو المستدعى، حيث لا حياد إزاء هذه المفارقة التي تعري "الذكر: الفحل"!

وربما بالطريقة هذه، تكون حواء الناطقة آنفاً هي ذاتها ذات الحضور التليد دينياً وتاريخياً تالياً مقابل "آدم" تقديراً، وحواء المباشرة، الاسم الذي جرى تثبيته سالفاً في صفحته، وما في ذلك من إمكان الحفر في أصل الموسوم في الحالتين، حين تكون الساردة صاحبة القول خارج سياق النص، أي في الاستهلال، وما في كل ذلك من محاولة تنشيط عملية القراءة الخاصة بحواء ورمزيتها.

وفي مقدور صورة الغلاف الفنية أن تمنحنا شغفاً معتبراً للمتابعة والنظر بعمق أكثر في تيمة العنوان وما يلي العنوان، جهة وجوه النساء المتشابهة، وهي تعيش غياب ملامحها في الواجهة، تعبيراً مقارباً لما هو دائر في نص الرواية، وليس لأن لوحة الغلاف استجابة لذاك، أو رُسمت إثر قراءة النص هذا، ولكنها اللوحة التي تضيء البصيرة، وترفع من رصيد الكلام أو المكتوب، وجعله أكثر أهلية للقراءة، وتذكيراً بوشائج القربى المعتادة بين المرئي والمقروء.

في إعادة "إنتاج" الخذلان المعهود

في رواية معيكل النسوية بامتياز، حيث تعتمد على ترقيم مشاهدها بدلاً من الفصول أو الأقسام وغيرها من مفردات العتبة، وهي لعبة حسابية ثلاثية الأبعاد من خلال محتوياتها. ثمة رجوع إلى الوراء والبدء من الدال الفاعل بخاصيته الصفرية "0"، ففي الصفر ثمة متتاليات، لحظة الانفجار. والمشهد هو الآتي:
أمسكني بعنف من يدي، وراح يضغط عليها، خشيت أن تتهشم في قبضته القاسية، فصرخت في وجهه:

  • دع يدي، إنك توجعني، تكاد تكسرها، ماذا أصابك؟ هل جننتَ؟
  • أنا مجنون؟!
  • نعم، أنت مجنون.
  • أنت طالق.
  • كررها.
  • أنت طالق.
  • كررها مرة أخرى.
  • أنت طالق. (ص 7).

إن تجاوبنا مع تاريخ المكتوب، لن يثيرنا المشهد الموصوف كما هو المتوخى أو المتوقع منه، رغم أنه يتضمن سيلاً من المفردات المتجاورة والموضّحة لبعضها بعضاً، وما في ذلك من شهادة للذاكرة الجريحة بماضيها: عنف في الإمساك، الاستمرار في الضغط، الخشية كنتيجة، التهشم جراء الدائر، الصرخة علامة الوجع حيث يتراجع الكلام تعبيراً عن وفورة الألم وتناميه، المجنون حصيلة فعل ما كان يجب أن يحدث وحكم على الفاعل باعتباره تعدى المألوف... إلخ.

أكون مع الروائية في المبتدأ به، في ألمها الجسمي والنفسي، في مشهد نافذ بنا إلى داخل اجتماعي، لكنه ليس جديداً. إذ لا أكثر من مشاهد من هذا النوع، وأشد وقعاً في العنف الممارس، في الكتابات الأدبية، واللوحات الفنية، وفي الفن السينمائي، وفي الواقع اليومي نفسه. بالطريقة هذه يكون النمطي قد تم إدخاله من الباب الواسع والمعتاد له، وفي الوقت الذي يتطلب البناء الفني الروائي، ومن قبل كاتبة نسوية وأكاديمية، وهي على بيّنة من حقيقة المعتمد فنياً، تقديم ما يخرج النمطي من خاصيته، تعزيزاً لمقام الرواية، حيث لا تكون اسمها، إن لم تعش مخاض المغاير لما كان، لما هو مقروء، بلعبة تلميحية أو إيحائية معينة. فهل للصفر أن يشفع بذلك وهو ليس كذلك؟

بعيداً عن الاسترسال، لا يمكن لمفهوم ما أن يعتد به تاريخياً، أن يعترف به التاريخ بحيويته، إن لم يعش تجاوزاً لتاريخه، وتنوعاً في بنيته، ليكون للتاريخ نفسه حضوره الفعلي والمستحق.

مثلاً، ما يخص "الأبوية" أو "البطرياركية" وصلتها بالذكورية، يرتد بنا إلى تاريخ طويل، وطرحها بصيغة ما روائياً، لا بد أن توهَب القوى الضامنة لتوجهها إلى الآتي، ونيل الاعتراف بمصداقيتها، حيث مستجدات الواقع تتطلب ذلك، وكما هو المعزز للمفهوم المركب عملياً.

المشهد القائم في حسيته، والذي يقدم صراعاً لا يُخفى بين طرفين جنسانياً في المتن، يحيلنا لحظة قراءته في الحال إلى ما كان، إلى المدرك سابقاً.

صوت العاطفة لا يخفي غوايته، جرعته الفاعلة في الفكرة التي بنيت عليها الرواية، على حساب الفن، ولتكون تيمة النسوية دون اسمها، كما هو المأثور فيها، من جهة المرأة المرأة لا الأنثى التي جرت قولبتها في علامات فارقة منذ زمان طويل، وللذكورة دمغتها الواصلة ما بين السماء والأرض. لتكون ليالي الخذلان تذكيراً أكثر من كونه تدبيراً لواقعة منمذجة يبعث على الطرب.

الابتهاج المقنَّع

ليس لدى الساردة الروائية ذلك الرأسمال الضامن لها لأن تطرح نفسها كشخصية امرأة معذبة بالآخر، أي بالرجل، ومن خلال صفة الأنوثة فيها، ملحقة بهذه، لصالح الرجل المعزز بالذكورة، وما لهذه من خاصية قيمومة تعلو المرأة جسداً بكمله، وتبعات هذه الهيمنة المشرعنة.

تلك الإشراقات التي تظهِر مدى ابتهاجها لأنها طلقت، تبقي الألم في نطاق المتداول، رغم مساعي الساردة في أن تشد قارئها، متابع شكواها ككينونة جسدية مقهورة، لأن المنمط مرفق بالقول هنا.

في تنقلاتها بين كونها زوجة ولم تفلح في أن تكون امرأة بجانب رجل وهو زوج، وكونها مطلقة وهي ترجع إلى قريتها "تل الورد" وارتباطها بزواجين، لم يورثاها سوى النكد واستنفاد الجلد، ومحاولاتها المستميتة في أن تعبر عن تماسكها حباً بالحياة، بالعلاقة الزوجية، تعبيراً عن حرص عائلي مرتقب، وتجلّيها في النهاية في حالة الـ"بين بين" ربما يمثل انعطافة في المألوفة، وتحرراً من النمطي فيه، ولكن الحيرة التي تتلبس الساردة إزاء المحبوب المريض، تبقي الرواية كنص منطوياً على نفسه، باعتبارها الرومانس النازف لما يُخشى من نتيجته، أثراً مهدداً بالتلاشي.

في مواجهة وضعية كهذه، وهي تمثل صميم الكتابة الروائية بطابعها النسوي، والمعضل المغفَل فيها، تعلِمنا جوليا كريستيفا باللافت، حيث متحولات العلامة شاهدة على حراك دلالي جنساني:

(فيما يتعلق بأسلوب كتابات النساء، تصدمني سمتان دائمتان: الأولى، في كل امرأة أقرأ فيها نصاً كتبته امرأة، يتخلف لدي الانطباع أن مفهوم الدال signifier كإطار للعلامات المميزة هو غير كفؤ: إنه غير كفؤ لأن كل واحدة من هذه العلامات تكون مشحونة ليس فقط بقيمة تمييزية هي الحامل للدلالة، بل أيضاً بدافع أو قوة عاطفية لا تدلل على هذا النحو، بل تبقى كامنة في التوسل الصوتي أو في إيماءة الكتابة. إنه كما لو أن هذه الشحنة العاطفية قد غمرت الدال للغاية إلى حد إشباعه بالعاطفة وهكذا يلغي منزلته الحيادية، لكنه، لكونه غير مدرك لوجوده الخاص، لم يجتز عتبة التدليل أو يجد علامة يسمي بها.) "1".

بين أن تكون الكاتبة مأهولة بوعي الكتابة فكرياً، ومشحونة بتلك العاطفة التي تبقيها بعيدة عما هو مراد تأكيده تعزيزاً للجسد المنجرح ذكورياً، ووضوح الرؤية في ذلك، يمكن اقتفاء الأثر المحفور في الكتابة وكيفية تجليها نصاً يسمي كاتبتـ"ـه"، ويتأكد بأسلوبها.

معيكل بوعي نقدي تطرح صورة المطلقة في مجتمع يحكم بمقياس الذكورة، وهي محقة، كما لو أن طرحاً كهذا يستدعي في الساردة ما هي عليه ضمناً كناقدة، كإضاءة لحقيقة فاعلة، جهة سلبياتها "المطلقة"، وما يصلها بما قبلها كهيئة جسدية من الداخل (فعازبة تعني العذراء البكر، ومطلقة قبل الدخول تعني أنها عذراء... والمتزوجة هي المحظية والمحمية في كنف رجل، أما الأرملة فهي السعيدة التي انقلبت شقية بوفاة زوجها فنزلت مرتبتها درجة، إذ غاب حاميها. وفقدت عذريتها).

وتأتي في المرتبة الدنيا المطلقة، التي تحيل على معنى سلبي من جهتين، الأولى أنها امرأة سيئة فشل زواجها، فلو كانت طيبة المعشر، لما طلقها زوجها، حتى لو كان الزوج سبب الطلاق، أما المعنى الثاني، فيعني أنها مطلقة بعد الدخول، ما يعني أنها ليست عذراء، تفتقد ما تملكه العذراء قبل الدخول! قيل لي أن بعض البلدان الأجنبية ليس لديها مثل هذه التصنيفات... "ص12".

كلام دقيق في التصنيف، رغم أن ذلك مطروح بأكثر من طريقة، انطلاقاً من مفهوم الجسد ومكوناته العضوية والثقافية تالياً جنسانياً. وبدءاً من الاسم نفسه "المرأة" في اشتقاقها اللغوي "من المرء، من المستمرأ"، والعذراء ليست بصفة حميدة، حيث العذر علامة ملصقة ذكورياً، وتُزاح ذكورياً.

إنها معاناة وجودية مبثوثة خارجياً في كامل الجسد الأنثوي المولَّف من جهة الذكر وثقافته.

والساردة الروائية لا تغفل عن تلك الإشارات التي تعمق في تراجيديا كينونتها منمذجة، وفي واقع مهدور بمعان كثيرة، على صعيد اندلاع الحرب في بلدها "ص14"، ليكون الخروج أكثر من كونه هروباً، أكثر من اعتباره سعياً إلى ملاذ آمن، إنما لإضاءة ما هو مهدد حياتياً، وما يزيد في عمق الجرح الخاص بها، وهي تربط مصيرها بذلك الموسوم محبوبها ومنتظرها.

إن المسافة التي قطعتها جغرافياً، سواء في نطاق البلد المنذور للحرب والخرب، واجتياز الحدود التركية إلى غازي عنتاب، وانتظار المحبوب وقد تأخر "ص29"... تزيد في نوعية القلق المعذب لها "قلق لا يرتكز إلى تخمين، أو توهم، وإنما إلى واقع من لحم ودم، وثقافة موجَّهة ومحمية".

وفي عملية تتبع حركية السرد، يلاحظ أن الروائية لا تغفل عن تلك الموجات القولية أو الإشارية التي تلفت النظر إلى أن نصها لا يخفي عمقه، سعته، إنما يتميز بعمق قاعه ورحابته معاً، عندما تذكّر بالمميّز في المحبوب وهو أنه كاتب "ص43"، والمفارقة الدالة على إفلاس الاسم رمزياً، حين تشير إلى حفل توقيعه لكتبه (ولم يكن هناك أحد)، وظهوره معتداً بنفسه متجاهلاً لها (لم يحتفل بعيد ميلادها "ص43").

وما يعزز حقيقة شخصية المحبوب التي برزت كتلة من المتناقضات، وهي بمرجعيتها الأقرب إلى النمطية، كما هو المعهود هنا وهناك (حين يعرّف الرجل بنفسه ماضياً في إبرازه، وعملياً ليس كذلك)، وليكون تصرف كهذا معبراً عن أنه رجل، لكثرة أعماله، وما يكون محقاً فيه، خلافها.

مشاهد استباحية

في مجمل صفحات الرواية، تتداخل مع بعضها بعضاً، بقدر ما تتقابل وتتفاعل تلك المشاهد التي يُستباح فيها جسد المرأة طي رغبات الرجل الذكوري. بدءاً من لقاء الساردة: الزوجة المنتظرة بالمحبوب، التسمية الهزئية، وكيفية التعامل معها، وفي صفة عقد النكاح بالذات (.. في عقد زواج، كان قد فكر في كل شيء، حدد سلفاً المهر الذي سيدفعه لي، جهزه، ووضعه في مغلف. ص49).

الأكثر إيلاماً، وكعلامة إشهار، هو في ليلة زواجها، وقد نزفت دماً كثيراً، لأن التعامل كان أبعد ما يكون عن كونه حميمياً، عن كون المحبوب "مضروباً" وليس محبوباً طبعاً (بدت حياتي مع المحبوب متعثرة منذ البداية، لم يكن ما حدث ليلة الزفاف أفظعها. ص 63)، وهناك إشارة إلى الواقي الذكري وارتدائه في اللقاء الجسدي، وهكذا كان مع "عشيقاته" وصرختها من الداخل (يا إلهي إنه يعهرني!. ص 63). ورعبه حين تأخر موعد دورتها الشهرية (كان يخاف من الإنجاب، ويطالبها بركب: لولب حمليّ. ص66).

ذلك ما يعمّق في الهوة بينهما ويزيدها اتساعاً ومعايشة كارثية، إنما في الدال، ما يمضي بأنظارها إلى واقع ينبسط متخماً بالرعب، بانعدام الأمل، بغياب المحفّز على حياة مشتركة ومثمرة، في ضوء المستجدات التي شغلها مساحات جغرافية واسعة كانت "حلبة" صراعات لعواطف، ومشاعر، وهواجس، وأفكار، وتداعيات نفسية، من تل الورد، إلى غازي عنتاب، إلى بلد المحبوب، إلى ما وراء البحار "أميركا" وخواء مفهوم "شهر العسل" ثم العودة، والتوترات المستولدة بينهما.

شخصية المحبوب معمولة بشكل لافت، إنما ليست فريدة صورتها، جهة تسليط الضوء على عنصر التقية فيه، وهو يعتد بنفسه، وتلك الطهرانية في مظهره، إنما ما يقابل كل ذلك بكونه زير نساء، منغمساً في ملذات رخيصة مع عشيقات لا أكثر منها، إلى جانب كثرة علاقاته مع مسؤولين كبار، وهي معه، وكأنها غير موجودة، إذ أينما حل به الرحال، وهي معه، أو كان، ثمة طعنة فيها منه.

تستوقف الساردة قارئها، لتمنحه فرصة التقاط الأنفاس في عملية التحرك القارية، وتحولات الجغرافيا، مع بقاء الصورة النمطية ماضية في غطرستها، حيث يستحكم فيها أكثر فأكثر، ظاهراً وباطناً (في قبيلة المحبوب سكنت على وعد بخذلانات جديدة، وتعريضي لمواقف لا أحسد عليها، فالمحبوب سيلقن أفراد قبيلته درساً عملياً من خلالي، سيريهم كيف يكون الرجل الحقيقي، الرجل الذي يحضر امرأة من بيئة أخرى، وثقافة أخرى، وعادات وتقاليد أخرى، ثم يجعلها تمتثل لأوامره وتفعل ما يطلبه منها. ص 95). لهذا (كانت الإقامة بين أفراد قبيلة المحبوب من أقسى ما حدث لي. ص 96).

أن ينحصر الآخر: المحبوب، الرجل، الكاتب، الرحالة بين البلدان وصاحب العلاقات المتباينة، في مثل هذه الرقعة القيمية والاجتماعية "قبلياً"، ملامسة للجذور النفسية والثقافة المغذية لها. لكن ذلك يعيدنا مجدداً إلى نقطة الصفر، ونحن إزاء كم وافر من مرجعيات متعددة المرامي كهذه.

ثمة ما يشد القارئ، كما أراه قارئاً وناقداً ومعايشاً نفسياً لمشاهد كهذه واقعاً وفي النصوص المحبوكة أو المتشكلة على خلفية علاقات ومن خلالها، وهو يقارب، كما تقدَّم، نوعية السرد الذي أُنيرَ به فضاء رواية معيكل، في التمثيل الصوتي المركب. جهة الرجل والمرأة، وأي حصاد نوعي، فني المقام يترتب على تمثيل كهذا في صداه الاجتماعي، ومداه القيمي.

السؤال الذي يُطرح هنا، ينطوي على مستدرَك الذات وموقعها من الإعراب في نسيج السرد والمحصّل فنياً. ثمة تزكية لذات لا تبدو أنها استوقفت المرسوم روائياً حقَّه، وكتوقيع على مختلف فنياً. ما الممكن قوله كإضاءة لمفهوم الذات ونصها؟ (ينبغي أن يشتمل الفهم النصي على عملية فهم ذاتي أيضاً: إذ أن ما ينبغي فهمه ليس كلمات النص وعلاقاتها فقط، بل أسباب ممارسة النص دعواه إلى القارئ، أيضاً، أي، دعواه في أنه شعر، تحديداً. "2").

لا أجرّد سرد معيكل مما هو جمالي، إنه سرد روائي، نعم، ولكنه السرد الذي تراءى لي دون قابلية القدرة على الدفع بقارئه إلى عالم يمنحه متعة معايشة المغاير، ومصادقة الروائية على نصها، بصفتها روائية كتبت نصاً ما أن يقرأ حتى يوجه النظر إليها، وليس عبر شفاعة تعاطفية.

أكثر من ذلك، في الكثير من المشاهد، ومن خلال أمثلة مذكورة، لم تخف الكاتبة وكناقدة نسوية موقفها التشهيري تجاه الرجل، وليس باعتباره نموذجاً فنياً، وهي من الخارج، حيث تلقي بحمولتها النفسية، وحصيلة معايشة ثقافية حية إلى داخل "غابة السرد" حيث الليل ليلها أكثر لا "ليله".

إن تنوير القارئ بالشخصية المحورية ذكورياً بعيني الساردة، عبر توسيع دائرة علاماته الفارقة، جر الرجال عموماً إلى "مشرحة" تعيش المرأة كأنثى ويلاتها، وهي في هذا المنحى تمارس سرداً سِيرياً، أو أشبه ما يكون بالسيرة الذاتية للمرأة مذ وجدت، وأُخضعت باسمها وأوصافها لفرمانات الرجل: الأب، الابن، الأخ، الزعيم، الفقيه، القاضي، المشرّع، القانوني على أعلى مستوى، في عالم يشهد على تصدعه البنيوي، ربما على وقع مثل هذه الأحادية الفالقية في العلامة والإدارة.

ما ينوَّه إليه من تفاصيل، أو إشارات إبراز للعلامات القائمة وهي مرتكزات كونه المؤطر، كما في (أرادها طاهية. ص160)، (ينام مع عشيقته، وهو ذاهب للقائها. ص 163)، (يراعي مشاعر الآخرين إلا هي. ص 176)، (كان يشرب رغماً عنها ويعنّفها. ص 193)... إلخ.

ما لا يمكن غض النظر عنه، هو النزف النفسي المرافق لحركية السرد، وحيث يكون الاسم المثبت والملفوظ "حواء" مستدعاة من عالم بعيد، ومفعَّل بطابع الأنثى المهدورة، وآدم، وإن لم يُسم، يكون المرئي والمعايَن والمطارَد على خلفية توثيقية لتاريخ يحتفظ بانتهاكات "بنيه"!

والحديث عن النزف النفسي بإطلاق معناه، يفيدنا في معرفة الكارثي في محيطنا، ويستلزم، بغية فهم ما يجري، النظر في المركب في الداخل، حيث تمارس المتغيرات لعبتها الخطرة بالتأكيد.

ثمة ما هو شهرياري، شهرياري يعيش تحولاته، وتسرّب مؤثراته في مجمل ما هو حياتي، وهو بسطوته، وشهرزاد في فخ لغته محكومة برغباته الليلية، وهي متماهية رغماً عنها معها، وتسرد ما يعزّز رضاه السلطوي الكامل عن نفسه. يا لهذه الحساسية الدقيقة بتوترها العالي والمهلك، في العلاقة القائمة، إذ (يحيلنا زئبق شهريار على الصعيد الجمالي، إلى المشهد المركب جسدياً، وكيف يجري التعرض له وصفاً أو تشخيصاً أو تحويلاً لكينونته في سياق علاقة معينة، حوارية: اثنينية أو أكثر، حيث الروائية هنا، في معلمها الأنثوي المحصور في الزمن السالف، مسكونة برهبة الذكر التليد وهيبته، ترى ما تريد أن تراه، وتثير ما لا تريد أن تراه..) "3".

ما أفصحت عنه الساردة إجمالاً صادق على قول الرجل الذكوري فيها، على أنها رهينة عاطفتها، وأن صفقة الأمثلة الواردة، بوصفها "أدوات كاشفة لمثالب الرجل"، لم تفِ بالوعد، وعد المرأة مع الأنوثة فيها خلاف المرسوم داخلها من جهة الرجل، أي ما يرتقي بقوامها النفسي. أليس لأنها منذ الاستهلال المعلق على بوابة الرواية، في شطره الثاني، أعلنت فجيعة المرأة دفعة واحدة هنا؟

انفجارها النفسي، وتبعاته نظير المكون النفسي المضغوط داخل الساردة، ومن خلال الروائية.

وعلى طريقة "بلغ السيل الزبى"، كان على المتبقي والكامن من قوى ساكتة ومكبوتة في داخلها أن ينتفض لأنها شعرت بالموت البطيء لكينونتها، ويكون الصراخ، أو ما يجعل للصوت في صراخه أو حدته علامة احتجاج مدوية، واستنكار للعلاقة الفظيعة التي يفرضها عليها، وإدانة لتلك اللغة المعمولة والتي تتضمن كل ما يرتد إليه وبني جلدته جنسانياً في إذلاله لها (واجهته بتزييفه للحقائق. ص 200)، وذلك جراء خذلانه لها، ومن المتوقع أن يكون المطلوب الفصل الكلي (يئست منه وطالبته بالطلاق، في تلك البلاد. ص 215)، وهو (كان يلعب بأعصابها، وحيث تطلقت منه مع... ومع إجراءات الطلاق وهو ناقم عليها. ص243)، وطردها من البيت (ص 244) دال على ذلك، وإصابتها بكورونا، وتجنبها، وإسعافها، واتهامه لها بأنها (دمرت حياتهما... ص286)، تعميق المعمق في أخلاقيات المحبوب "وسفاهته"، وهي لا تعرف إلى أين تمضي، وقد أصبحت طريدة بيتها "بيته"، ولا تعرف ماذا تفعل، وهو نفسه كان قد تعرض للمرض وآذاه مرضه وقد (عطفت عليه. ص 292)، (طاش صوابي، وليس لدي من هاد أو دليل، في هذا الليل الطويل! فجأة غرد صوت فيروز، إذا رجعت بجنّ، وإن تركتك بشقى، لا قدرانه فل ولا قدرانه أبقى. ص 299)...

طبعاً ثمة ما يزيد المعنى عمقاً ودلالة، بعد ذلك، وفي أصل الأغنية: 

"شو بكره حياتي لما بشوفها عندك 

يا بتحرمني منها يا بسرقها سرقة".

لكن الساردة تكتفي بما تقدم، وكأنها واقفة في مفترق طرق، أتتقدم إلى الأمام، أم ترجع إلى الوراء، أم تقف، وإلى متى؟

يستحيل الكلام صوتاً داخلياً، اتصالاً ببعيد مغنى، بأثر نفسي، بذاكرة تواسي ولا تنسي الحدث أيضاً.

إنه اضطراب الدال في الصميم، إنها مجزرة جندرية من جهة الرجل المتباهي بنوعه، والمتداعي من خلاله، والرافض لأي اعتراف بحقيقة "جرائمه" المتوالية، والواقع يعرّيه اسماً ومسمى.

مكاشفة الجنسانية

لقد استبسلت الروائية أسماء معيكل في كتابة رواية، أريدَ لها أن تكون روايتها، وكل منتسبة إلى بنات جنسها، في عالم القهر التاريخي والهدر القيمي اللذين يعشنهما. لكن الدفع بالقارئ، والارتقاء به فكرياً وليس مجرد التعاطف مع الساردة والشاهدة على عالم مستباح ذكورياً، بقيا دون المنشود بمسماه الفني، كما لو أن الجسد الممثَّل، الحاضر بمكوناته في النص، افتقد تلك القوى الملازمة لحياة تُروى فنياً، وليس أن تُسمى في مقدَّر عمري، وفي جهة جغرافية معلومة.

أنوه إلى مقال ذي صلة بما تقدم. بداية، ثمة اقتباس من كاتبة وناقدة ومفكرة هي هيلين سيكسو: 

(استمع إلى امرأة تتحدث في اجتماع (إذا لم تكن قد فقدت أنفاسها بشكل مؤلم): إنها لا "تتكلم"، إنها ترمي جسدها المرتعش في الهواء، تتركه، تطير، كل ذلك يأتي من خلال صوتها. إنها بجسدها تدعم بشكل حيوي "منطق" كلامها: جسدها يقول الحقيقة).

وتالياً من يدفَع بالاقتباس ليأخذ موقعه المعرَّف به: 

(هذا النداء، الذي توجهه هيلين سيكسو للنساء والرجال، لكي يستمعوا بانتباه إلى الصوت الأنثوي، الصوت الجسدي، ونفي كل فائض، والاندفاع نحو الأصل المفقود لزمن الصوت بدون كلمات، يمكن أن يجذب الجمهور).

وتالياً، وأخيراً هنا، ما ينطوي على علاقات تسمي أدواراً لمكونات الجسد وقد أشهرت مراتبها المنتظمة: 

(إن حركة الفكر الصحيحة علمياً من الرئتين إلى الدماغ تؤدي إلى سيادة الفكر على الكلام […]، وتحول مقياس الإنسان من الجسد إلى عدم محسوس الروح […]]. وبمرور الفكر من الرئتين إلى الرأس، يصبح مستقلاً عن أي سبب جسدي ويكتسب مكانته الميتافيزيقية. إن الوضع الميتافيزيقي للفكر، وفقًا لتصفية الصوت، والذي اختزل إلى دوره الثانوي فيما يتعلق بالكلام واللغة، هو بالضبط ما يميز الفكر نفسه كنشاط صامت) "4". 

ما يمكن قوله في النهاية اللامنتهية، هو أن ثمة ما يبقي النص المقروء مفتوحاً لبابه على مصرعيه، ما يبقي الآتي الذي يتنفس فيه الفني، ويتجه إليه بمادته، ثمة ما يعزز النص بتاريخه، وما يحرّض القارئ غير المؤطر لقراءة غير متوقعة، إن امتلك إرادة المكاشفة لعلاقات لم تُحدَّد في النص، لفاعل السرد نفسه، وقد تم التعامل معه من زاوية معينة. ثمة الواقع المؤلم الذي يكاد يغور بنا حيث معاول الهدم وأدوات الدمار المميتة لا زالت تعمل، لتكون رواية كهذه، في لحمتها الأدبية كاملة، مرجعاً، وعلى طريقتها، لتنوير هذا الموت المنشود هنا وهناك، وللرجل المتباهي بذكورته موقع في الواجهة، وثمة قارئ دائماً، لا يشار إليه، يفاجئ ناقده، أو كاتبه بما يغيّر في موازين قوى كل من القراءة والمعايير النقدية، ومفهوم الرواية وكيفية تقليبه على وجوهه، جنسانياً وأبعد.

ليالي الخذلان، ما كان لها أن تكون مجرد عنوان دون نهارات إرادة واعية لوجعها الذي يقيم بين ما هو تاريخي وجغرافي في جسد يُسمّي الإنساني فيه. لا حيادية للحم هنا في صمته وصوته "5"!

مصادر وإشارات 

1- ماري إيجلتون: نظرية الأدب النسوي، ترجمة: عدنان حسن- رنا بشور، دار الحوار، اللاذقية، ط1، 2016. ص 449. 

2- ديفيد كونزهوي: الحلقة النقدية " الأدب والتاريخ والهرمنيوطيقا الفلسفية، ترجمة: خالدة حامد، مركز الإنماء الحضاري، حلب، ط1، 2008. ص 239. 

3- إبراهيم محمود: زئبق شهريار " جماليات الجسد المحظور"، دار الحوار، اللاذقية، ط1، 2012. ص 15. 

4- Chiara Elefante: La voix du corps, la voix féminine dans l’œuvre narrative d’Henry Bauchau 

كيارا إليفانتي: صوت الجسد، الصوت الأنثوي في العمل الروائي لهنري باوتشاو 

ومصدر سيكسو: 

Hélène Cixous, « Sorties » », dans C. Clément et H. Cixous, La Jeune Née, UGE, Paris, 1975, p. 170. 

هيلين سيكسو، "النزهات"، في س. كليمان وه. سيكسو، المولود الشاب، UGE، باريس، 1975، ص. 170. 

5- في المعلَن عن رواية قبل صدورها، كما هو مكتوب، ثمة ما يعزز خاصية المأساة هذه: 

("ليالي الخِذلان" حكاية حبّ كبير، لم يصمد أمام الخيبات، التي تعرّضت لها "حواء" بطلة الرواية، فأحالت حياتها إلى جحيم. أعمى الحبّ بصرها في البداية، ووجدت نفسها منقادة لمحبوبها "آدم"، الذي خذلها مرارًا، وعرّضها لجميع أنواع العنف؛ اللفظيّ والنفسيّ والجسديّ؛ ما كشف الغشاوة عن عينيها، فأبصرت ما آلت إليه حالها من وضع مزرٍ، وبدأت رحلة عودة الوعي. 

مكن تخصّص البطلة في الطبّ النفسيّ من فهم شخصيّة محبوبها النرجسيّ، المتمركز حول ذاته، وحينما وجدته يسعى إلى تدميرها، ومسخ شخصيّتها وهُويّتها، وإعادة إنتاجها وفق تصوراته؛ انتصرت لنفسها، فاختارت الفراق، لتستعيد ذاتها، ولم يكن ذلك سهلاً؛ فحواء الحالمة المحبّة لآدم تغفر له كلّ ذنوبه، وحواء الواقعية العاقلة تعرف حقيقته، واستحالة المضي معه في علاقة تدميرية!") 

وفي التعريف بالكاتبة: 

أسماء معيكل: روائية وناقدة سورية، مهتمة بقضايا النسوية والدراسات السردية والثقافية، حصلت على الدكتوراه من جامعة عين شمس، في مصر. لها أربع روايات: "خواطر امرأة لا تعرف العشق"، "تلّ الورد"، "عمّاتي الثلاث"، "الجحش السوري". ولها أربعة كتب نقدية: "الأصالة والتغريب في الرواية العربية"، "الأفق المفتوح: نظرية التوصيل في الخطاب الروائي المعاصر"، "في تلقي الإبداع والنقد"، "سيرة العنقاء: من مركزية الذكورة إلى ما بعد مركزية الأنوثة". 

https://raminabooks.com/ar/books/lyaly-alkhthlan/view 



مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

الاشتراك في نشرتنا البريدية